يحيى بن موسى الزهراني
الحمد
لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما
تحت الثرى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، صلوات الله وسلامه
عليه ما تعاقب الصباح والمساء ، وعلى آله وأصحابه أهل العفاف والتقى ،
وعنا معهم بمنك وكرمك ، يا من يعلم السر والنجوى . . . أما بعد :
فأوصيكم
ونفسي بتقوى الله تعالى ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "
، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ
مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ " .
أيها المسلمون : عندما يقف أحدنا أمام إشارة
المرور يأخذه الفضول أحياناً ، والغيرة على الدين غالباً ، ورأفة وشفقة
بأولئك الشباب الذين هم في غفلة معرضون ، وعن الدين غافلون ، وفي الذنوب
غارقون ، وهم يترنمون في سياراتهم حول شريط غنائي ماجن ، يغضب الرحمن ،
ويرضي الشيطان ، ويعجب الكفار أعداء الإسلام ، والعجب كل العجب عندما ترى
سيارة تتراقص بمن فيها ، في حركات بهلوانية عجيبة مستقاة ومرتضعة من بلاد
الكفر والضلال ، ارتضاه شباب الإسلام فأدى بهم للانحلال ، والاضمحلال ،
شباب تائهون ، شباب لاهون ، شباب غافلون ، فيا شباب الأمة ما هذه الغرائب
، وما تلك العجائب ، أين أنتم يا أحفاد خالد بن الوليد ، وصلاح الدين ، هل
أنتم في سكرتكم تعمهون ، أم ماذا تفعلون ، إنك ترى أولئك الأحفاد على
الأرصفة يتراقصون وفي الشوارع يلعبون وفي البيوت نائمون ، والمسلمون في
مشارق الأرض ومغاربها للعذاب والاضطهاد يتعرضون ، فسبحان الله أما لشباب
الإسلام والعروبة عقولاً بها يفكرون ، وقلوباً بها عن إخوانهم يسألون ، أم
هي الغفلة والسراب البقيعة . عجيب جد عجيب ذلك التيه والغفلة المهلكة ،
عندما ترى سيارة يقودها صاحبها ، ببطء شديد ، وصوت الأغاني يُسمع من بعيد
، مساكين أولئك الشباب يعصون الله جهرة ، تتمايل رؤوسهم يمنة ويسرة ، نسوا
العذاب ، وغفلوا عن العقاب ، لا خوف من الله ، ولا حياء من عباد الله ،
إنَّ نظرات الناس من حولهم نظرات احتقار وازدراء ، ونظرات استهجان وبغضاء .
أيها
المسلم : كيف يمن الله عليك بوافر النعم ، وتقابل ذلك بالكفر والنكران ،
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، لئن شكرتم لأزدينكم ولئن كفرتم إن عذابي
لشديد ، قال صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " [ متفق
عليه ] ، فالله تبارك وتعالى يسترك ، يريد معافاتك ، وأنت تفضح نفسك أما
الله وأمام خلق ، تريد عذابك ، فأولئك ربما حق عليهم العذاب لمجاهرتهم
بمعصية الله عياناً بياناً . فيا عجباً من الناس ، يبكون على من مات جسده
، ولا يبكون على من مات قلبه . فكم هم أحياء الأجساد أموات القلوب اليوم .
فللقلب حياة كما أن للجسد حياة ، فكما أن الأطعمة المسمومة تضر بالجسد ،
فكذلك المعاصي تضر بالقلب ، ومن أعظم المعاصي سماع الأغاني ، فهذا شاب كان
يسير بسيارته ، مترنماً حزيناً مرة ، ومنتشياً مشتاقاً مرات ، عند سماعه
لشريط غنائي ، ويتمايل نشوة وطرباً ، ففقد السيطرة على سيارته فانقلبت به
عدة مرات ، والتأمت عليه ، واحتضنته بين حديدها ، ولا زال يردد الأغنية ،
فهرع الناس لإنقاذه وإسعافه ، ولكن هيهات هيهات ، فالله تعالى يقول : "
ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون " ، فحانت الوفاة ، وحضر الأجل ،
فأخذوا يلقنونه شهادة التوحيد والنجاة ، ولكن كيف يقولها وهو لم يعرفها ،
كيف ينطق بها ولم يستيقنها قلبه ، لقد كان يردد الأغنية بكل فصاحة ، أما
شهادة التوحيد فقد لجم لسانه عنها ، إنه سوء الخاتمة والعياذ بالله ، فمات
وهو يردد الأغنية ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال تعالى : " ومن يعرض
عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً " ، وقال تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا
بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله
ما يشاء " .
عباد الله : لقد أوصى الله تعالى بالجار ، وأمر بحق
الجوار ، فقال تعالى : " والجار ذي القربى والجار الجنب " ، وكذلك جاء
الاهتمام بالجار وأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة فقال
: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننه أنه سيورثه " [ متفق عليه ] ،
وقال عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ
جاره " [ رواه البخاري ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " والله لا يؤمن ،
والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل من يا رسول الله ؟ قال : الذي لا
يأمن جاره بوائقه " [ رواه البخاري ] . فكم من جار يشتكي جاره إلى الله
تعالى من إثر رفع صوت مذياع أو مسجل أو تلفاز بالغناء ، كم من جار رفع
يديه إلى السماء شاكياً مستغيثاً بالله من سوء فعل جاره ، ومستعيذاً بالله
من شره وكيده ، وكم من الجيران الذين لا يقدرون حق الجوار ، فلا ينبعث من
منازلهم إلا أصوات العاهرين والعاهرات ، ممن تسموا بالفنانين والفنانات ،
ومن المعلوم أن مثل هذه البيوت مأوىً للجن وسكن للشياطين ، فأين أدب
الجوار ، وأين مراعاة حق الجار ، إن احترام الجار واجب ديني ، إن مراعاة
شعور الجار وعدم أذيته مما يأمر به الدين ، وهو دليل على الأدب وحسن الخلق
، وصحة العقيدة ، وإن مما يقدح في الدين ما نراه ونشاهده ممن يذهبون
للنزهة ومن يقضون إجازاتهم في البراري وحول البحار ، ثم لا يحلوا لهم ذلك
إلا باستماع ما حرم الله كالغناء وأشباهه ، فيؤذون المصطافين إخوانهم
وجيرانهم ، لقد فقدوا الأدب وحسن التربية ، والأدهى من ذلك والأمر ، أن
ولي الأمر يرى ويسمع ، ولا يحرك فيه ذلك ساكناً ، متساهلاً بحق الجار تارة
، ومارقاً من الأدب تارة ، وضعيفاً دينه تارة أخرى .
يا عباد الله
: الأغاني محرمة بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،
وإجماع علماء الأمة العاملين . وإليكموها واضحة جلية ، كما تُرى الشمس في
رابعة النهار .
أولاً : من الكتاب الكريم :
لقد
جاء تحريم الأغاني في كتاب الله تعالى في عدة مواضع ، علمها من علمها
وجهلها من جهلها ، وإليكم الآيات واحدة تتلو الأخرى ، أما الآية الأولى
فهي قوله تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير
علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } ، ولهو الحديث هو الغناء كما
فسره ابن مسعود قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً
[ رواه ابن جرير والحاكم بسند حسن / المنتقى النفيس 302 ] ، وقال ابن عباس
: نزلت في الغناء وأشباهه [ رواه ابن جرير وابن أبي شيبة بسند قوي /
المنتقى النفيس 302 ].
والآية الثانية قوله تعالى : { وأنتم سامدون } ،
قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : سامدون في لغة أهل اليمن لغة حمير
هو الغناء [ رواه ابن جرير والبيهقي بسند صحيح / المنتقى النفيس 302 ]،
يقال : سمد فلان إذا غنى .
والآية الثالثة قوله تعالى : { واستفزز من
استطعت منهم بصوتك } ، قال مجاهد : بصوتك : أي الغناء والمزامير . فالغناء
صوت الشيطان ، والقرآن كلام الرحمن ، فاختر أي الكلامين تريد وتسمع .
والآية الرابعة قوله تعالى : " واجتنبوا قول الزور " قال محمد بن الحنفية : هو الغناء .
والآية
الخامسة قوله تعالى : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية " قال
بعض العلماء : المكاء : التصفيق ، والتصدية : الصفير ، فقد وصف الله أهل
الكفر والشرك بتلك الصفات ، التي يجب على المسلم مخالفتها واجتنابها .
ثانياً : من السنة النبوية :
أما الأدلة على تحريم الأغاني من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة ، وإليكم ما وقفت عليه من تلك الأدلة :
قال
صلى الله عليه وسلم : " لا تبيعوا القينات ( المغنيات ) ، ولا تشتروهن ،
ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، وفي مثل هذا أنزلت
هذه الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم
ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } [ السلسلة الصحيحة 2922 ].
وقال
عليه الصلاة والسلام : " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند
نعمة ، ورنة عند مصيبة " [ أخرجه البزار من حديث أنس ورجاله ثقات ] .
وقال
صلى الله عليه وسلم : " إني لم أنه عن البكاء ، ولكني نهيت عن صوتين
أحمقين فاجرين : صوت عند نعمة : لهو ولعب ، ومزامير الشيطان ، وصوت عند
مصيبة : لطم وجوه ، وشق جيوب ، ورنة شيطان " [ أخرجه الترمذي والبزار
والمنذري والقرطبي وابن سعد والطيالسي وهو حديث حسن ] قال ابن تيمية رحمه
الله : والصوت الذي عند النعمة : هو صوت الغناء .
وعن عبدالله ابن عمرو
بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله
عز وجل حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والغبيراء ، وكل مسكر حرام " [
أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي وأحمد وغيرهم ، وصححه الألباني رحمه
الله ] ، وقال علي بن بذيمة : الكوبة : هي الطبل .
وقال صلى الله عليه
وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ( كناية عن الزنا ) والحرير
والخمر والمعازف ( آلات اللهو والطرب والغناء ) " [ رواه البخاري معلقاً
بصيغة الجزم ] .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " يكون في أمتي قذف ، ومسخ ، وخسف " قيل : يا رسول
الله ومتى يكون ذلك ؟ ، قال : " إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القيان ، وشربت
الخمر " [ أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح لغيره ] .
وعن نافع عن
ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع صوت زمارة راع ، فوضع إصبعيه في أذنيه ،
وعدل راحلته عن الطريق ، وهو يقول : يا نافع ! أتسمع ؟ فأقول : نعم ،
فيمضي ، حتى قلت : لا ، فوضع يديه ، وأعاد راحلته إلى الطريق ، وقال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع زمارة راع ، فصنع مثل هذا . [ رواه
أبو داود والبيهقي بسند حسن / المنتقى النفيس 304 ] .
الله أكبر يا
عباد كيف تضافرت الأدلة على تحريم الأغاني والموسيقى ، فهل بعد هذا البيان
من عذر لمن استمع لذلك الهذيان ، وهل بعد هذه الأدلة الصحيحة من عودة إلى
دين الله صريحة .
الحمد
لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما
تحت الثرى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، صلوات الله وسلامه
عليه ما تعاقب الصباح والمساء ، وعلى آله وأصحابه أهل العفاف والتقى ،
وعنا معهم بمنك وكرمك ، يا من يعلم السر والنجوى . . . أما بعد :
فأوصيكم
ونفسي بتقوى الله تعالى ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "
، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ
مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ " .
أيها المسلمون : عندما يقف أحدنا أمام إشارة
المرور يأخذه الفضول أحياناً ، والغيرة على الدين غالباً ، ورأفة وشفقة
بأولئك الشباب الذين هم في غفلة معرضون ، وعن الدين غافلون ، وفي الذنوب
غارقون ، وهم يترنمون في سياراتهم حول شريط غنائي ماجن ، يغضب الرحمن ،
ويرضي الشيطان ، ويعجب الكفار أعداء الإسلام ، والعجب كل العجب عندما ترى
سيارة تتراقص بمن فيها ، في حركات بهلوانية عجيبة مستقاة ومرتضعة من بلاد
الكفر والضلال ، ارتضاه شباب الإسلام فأدى بهم للانحلال ، والاضمحلال ،
شباب تائهون ، شباب لاهون ، شباب غافلون ، فيا شباب الأمة ما هذه الغرائب
، وما تلك العجائب ، أين أنتم يا أحفاد خالد بن الوليد ، وصلاح الدين ، هل
أنتم في سكرتكم تعمهون ، أم ماذا تفعلون ، إنك ترى أولئك الأحفاد على
الأرصفة يتراقصون وفي الشوارع يلعبون وفي البيوت نائمون ، والمسلمون في
مشارق الأرض ومغاربها للعذاب والاضطهاد يتعرضون ، فسبحان الله أما لشباب
الإسلام والعروبة عقولاً بها يفكرون ، وقلوباً بها عن إخوانهم يسألون ، أم
هي الغفلة والسراب البقيعة . عجيب جد عجيب ذلك التيه والغفلة المهلكة ،
عندما ترى سيارة يقودها صاحبها ، ببطء شديد ، وصوت الأغاني يُسمع من بعيد
، مساكين أولئك الشباب يعصون الله جهرة ، تتمايل رؤوسهم يمنة ويسرة ، نسوا
العذاب ، وغفلوا عن العقاب ، لا خوف من الله ، ولا حياء من عباد الله ،
إنَّ نظرات الناس من حولهم نظرات احتقار وازدراء ، ونظرات استهجان وبغضاء .
أيها
المسلم : كيف يمن الله عليك بوافر النعم ، وتقابل ذلك بالكفر والنكران ،
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، لئن شكرتم لأزدينكم ولئن كفرتم إن عذابي
لشديد ، قال صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " [ متفق
عليه ] ، فالله تبارك وتعالى يسترك ، يريد معافاتك ، وأنت تفضح نفسك أما
الله وأمام خلق ، تريد عذابك ، فأولئك ربما حق عليهم العذاب لمجاهرتهم
بمعصية الله عياناً بياناً . فيا عجباً من الناس ، يبكون على من مات جسده
، ولا يبكون على من مات قلبه . فكم هم أحياء الأجساد أموات القلوب اليوم .
فللقلب حياة كما أن للجسد حياة ، فكما أن الأطعمة المسمومة تضر بالجسد ،
فكذلك المعاصي تضر بالقلب ، ومن أعظم المعاصي سماع الأغاني ، فهذا شاب كان
يسير بسيارته ، مترنماً حزيناً مرة ، ومنتشياً مشتاقاً مرات ، عند سماعه
لشريط غنائي ، ويتمايل نشوة وطرباً ، ففقد السيطرة على سيارته فانقلبت به
عدة مرات ، والتأمت عليه ، واحتضنته بين حديدها ، ولا زال يردد الأغنية ،
فهرع الناس لإنقاذه وإسعافه ، ولكن هيهات هيهات ، فالله تعالى يقول : "
ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون " ، فحانت الوفاة ، وحضر الأجل ،
فأخذوا يلقنونه شهادة التوحيد والنجاة ، ولكن كيف يقولها وهو لم يعرفها ،
كيف ينطق بها ولم يستيقنها قلبه ، لقد كان يردد الأغنية بكل فصاحة ، أما
شهادة التوحيد فقد لجم لسانه عنها ، إنه سوء الخاتمة والعياذ بالله ، فمات
وهو يردد الأغنية ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال تعالى : " ومن يعرض
عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً " ، وقال تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا
بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله
ما يشاء " .
عباد الله : لقد أوصى الله تعالى بالجار ، وأمر بحق
الجوار ، فقال تعالى : " والجار ذي القربى والجار الجنب " ، وكذلك جاء
الاهتمام بالجار وأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة فقال
: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننه أنه سيورثه " [ متفق عليه ] ،
وقال عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ
جاره " [ رواه البخاري ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " والله لا يؤمن ،
والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل من يا رسول الله ؟ قال : الذي لا
يأمن جاره بوائقه " [ رواه البخاري ] . فكم من جار يشتكي جاره إلى الله
تعالى من إثر رفع صوت مذياع أو مسجل أو تلفاز بالغناء ، كم من جار رفع
يديه إلى السماء شاكياً مستغيثاً بالله من سوء فعل جاره ، ومستعيذاً بالله
من شره وكيده ، وكم من الجيران الذين لا يقدرون حق الجوار ، فلا ينبعث من
منازلهم إلا أصوات العاهرين والعاهرات ، ممن تسموا بالفنانين والفنانات ،
ومن المعلوم أن مثل هذه البيوت مأوىً للجن وسكن للشياطين ، فأين أدب
الجوار ، وأين مراعاة حق الجار ، إن احترام الجار واجب ديني ، إن مراعاة
شعور الجار وعدم أذيته مما يأمر به الدين ، وهو دليل على الأدب وحسن الخلق
، وصحة العقيدة ، وإن مما يقدح في الدين ما نراه ونشاهده ممن يذهبون
للنزهة ومن يقضون إجازاتهم في البراري وحول البحار ، ثم لا يحلوا لهم ذلك
إلا باستماع ما حرم الله كالغناء وأشباهه ، فيؤذون المصطافين إخوانهم
وجيرانهم ، لقد فقدوا الأدب وحسن التربية ، والأدهى من ذلك والأمر ، أن
ولي الأمر يرى ويسمع ، ولا يحرك فيه ذلك ساكناً ، متساهلاً بحق الجار تارة
، ومارقاً من الأدب تارة ، وضعيفاً دينه تارة أخرى .
يا عباد الله
: الأغاني محرمة بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،
وإجماع علماء الأمة العاملين . وإليكموها واضحة جلية ، كما تُرى الشمس في
رابعة النهار .
أولاً : من الكتاب الكريم :
لقد
جاء تحريم الأغاني في كتاب الله تعالى في عدة مواضع ، علمها من علمها
وجهلها من جهلها ، وإليكم الآيات واحدة تتلو الأخرى ، أما الآية الأولى
فهي قوله تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير
علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } ، ولهو الحديث هو الغناء كما
فسره ابن مسعود قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً
[ رواه ابن جرير والحاكم بسند حسن / المنتقى النفيس 302 ] ، وقال ابن عباس
: نزلت في الغناء وأشباهه [ رواه ابن جرير وابن أبي شيبة بسند قوي /
المنتقى النفيس 302 ].
والآية الثانية قوله تعالى : { وأنتم سامدون } ،
قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : سامدون في لغة أهل اليمن لغة حمير
هو الغناء [ رواه ابن جرير والبيهقي بسند صحيح / المنتقى النفيس 302 ]،
يقال : سمد فلان إذا غنى .
والآية الثالثة قوله تعالى : { واستفزز من
استطعت منهم بصوتك } ، قال مجاهد : بصوتك : أي الغناء والمزامير . فالغناء
صوت الشيطان ، والقرآن كلام الرحمن ، فاختر أي الكلامين تريد وتسمع .
والآية الرابعة قوله تعالى : " واجتنبوا قول الزور " قال محمد بن الحنفية : هو الغناء .
والآية
الخامسة قوله تعالى : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية " قال
بعض العلماء : المكاء : التصفيق ، والتصدية : الصفير ، فقد وصف الله أهل
الكفر والشرك بتلك الصفات ، التي يجب على المسلم مخالفتها واجتنابها .
ثانياً : من السنة النبوية :
أما الأدلة على تحريم الأغاني من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة ، وإليكم ما وقفت عليه من تلك الأدلة :
قال
صلى الله عليه وسلم : " لا تبيعوا القينات ( المغنيات ) ، ولا تشتروهن ،
ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، وفي مثل هذا أنزلت
هذه الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم
ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } [ السلسلة الصحيحة 2922 ].
وقال
عليه الصلاة والسلام : " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند
نعمة ، ورنة عند مصيبة " [ أخرجه البزار من حديث أنس ورجاله ثقات ] .
وقال
صلى الله عليه وسلم : " إني لم أنه عن البكاء ، ولكني نهيت عن صوتين
أحمقين فاجرين : صوت عند نعمة : لهو ولعب ، ومزامير الشيطان ، وصوت عند
مصيبة : لطم وجوه ، وشق جيوب ، ورنة شيطان " [ أخرجه الترمذي والبزار
والمنذري والقرطبي وابن سعد والطيالسي وهو حديث حسن ] قال ابن تيمية رحمه
الله : والصوت الذي عند النعمة : هو صوت الغناء .
وعن عبدالله ابن عمرو
بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله
عز وجل حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والغبيراء ، وكل مسكر حرام " [
أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي وأحمد وغيرهم ، وصححه الألباني رحمه
الله ] ، وقال علي بن بذيمة : الكوبة : هي الطبل .
وقال صلى الله عليه
وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ( كناية عن الزنا ) والحرير
والخمر والمعازف ( آلات اللهو والطرب والغناء ) " [ رواه البخاري معلقاً
بصيغة الجزم ] .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " يكون في أمتي قذف ، ومسخ ، وخسف " قيل : يا رسول
الله ومتى يكون ذلك ؟ ، قال : " إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القيان ، وشربت
الخمر " [ أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح لغيره ] .
وعن نافع عن
ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع صوت زمارة راع ، فوضع إصبعيه في أذنيه ،
وعدل راحلته عن الطريق ، وهو يقول : يا نافع ! أتسمع ؟ فأقول : نعم ،
فيمضي ، حتى قلت : لا ، فوضع يديه ، وأعاد راحلته إلى الطريق ، وقال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع زمارة راع ، فصنع مثل هذا . [ رواه
أبو داود والبيهقي بسند حسن / المنتقى النفيس 304 ] .
الله أكبر يا
عباد كيف تضافرت الأدلة على تحريم الأغاني والموسيقى ، فهل بعد هذا البيان
من عذر لمن استمع لذلك الهذيان ، وهل بعد هذه الأدلة الصحيحة من عودة إلى
دين الله صريحة .